الإنجاز الكبير بالنسبة للمرحلة الانتقالية للثورة المصرية ليس في كونها جاءت برئيس منتخب يمثل الإخوان المسلمين، وإنما كان الانتصار لحرية الإختيار، التى جعلت الكفة تكاد تكون متساوية بين المرشحين. ولم ترجح كفة الرئيس مرسي إلا قليلاً. وهو، ما ظهر تأثيره بفاعلية مؤخراً، في ثقافة الرفض لسياساته التي تكللت بمظاهرات إحتجاجية لا تقل في حجمها عن تلك التى أسقطت النظام السابق. ومن هنا، نحن كباحثين يفترض بنا أن نجلس ننتظر ونرى ونحلل، فعلى الرغم من انقضاء ما يزيد عن خمسة أشهر من الحكم، ظهر الرئيس مرسي كرئيس لمصر بشكل لا يتناسب مع حجم الموقع والمسؤولية. كما يمكن أن تلمس على النحو التالي:
اولاً: شكل قد يدركه محللو الخطاب السياسي، والمتمثل في عادة باتت ملفتة للنظر، هي الإصرار على أداء الصلوات بشكل علني. سواء في القصر أو في المسجد المجاور لبيته أو الذهاب لأداء صلاة الجمع في أحد المحافظات، وكل هذا قد يبدو أمراً عادياً لشخص متدين، إلا أنه يبدو غريباً لرئيس دولة يتطلب منه أن يكون جاداً في إتخاذ سياسات مهمة تجاه مجتمع خارج من ثورة، يبلغ تعداد سكانه تسعين مليون، أغلبه فقير، ومعظم شبابه يبحث عن فرص عمل وينتظر تشغيل عجلة الاقتصاد لخلق فرص عمل جديدة .
ثانياً: كثرة المخاطبة والحديث في التجمعات بمناسبة وبدونها، وهو ما يعطي صورة حقيقية عن نمط تفكيره وطريقة تعاطيه مع واقع المشكلات التى ينوء بها المجتمع. فإصراره على إلقاء كلمة عقب كل صلاة جمعة، قد يكون هذا أمراً عادياً لو حدث مرة، إلا أن تكرار ذلك أمر ملفت للنظر. كما أن كلام رئيس الدولة محسوب عليه، ويجب أن يأتي كل ما يقوله بجديد، وما يبشر به من أخبار سواء في حل مشكلات أو أمور تجعل الذين ينتخبونه يعيدون انتخابه مرة ثانية. أما أن يتحدث رئيس الدولة بهذا الشكل المفرط. فهو بالفعل يؤكد ويفسر عقلية الجالس الجديد على كرسي الرئاسة في مصر، وبأن هذه العقلية لا تخرج عن الإطار العام، الذي تربى عليه في جماعة الإخوان المسلمين، وبالأخص المبدأ المعمم المتمثل في السمع والطاعة الذي يحدد نمط تفكيره وتفسيره ورؤيته للحقائق والواقع.
فليس من المستغرب أن تكون هذه المدة من الحكم التى كانت محددة بإنجازات ووعود في برنامجه، تظهر شخص الرئيس في توجيه الناس بالموعظة وإرشادهم لفعل الخير، فتتولد لديه وفقاً لمبدأ السمع والطاعة قناعة أنه بمجرد إلقائه الكلمة عقب كل صلاة أو حديثه في برنامج يكون أدى جانباً كبيراً من مهام وظيفته. وهو هنا يكون معذوراً، لكونه جاء من تنظيم كان محظوراً ومنطق قوته وتماسكه على مدار ثمانين سنة جاء من خلال الخضوع لهذا المبدأ (السمع والطاعة) . الأمر الذي جعل جماعة كالإخوان المسلمين قوية تنظيمياً، ضعيفة من الناحية الفكرية ومن ناحية قدرتها على تخريج كوادر فكرية، ليس فقط على المستوى الديني، وإنما على المستوى السياسي بسبب هذا المبدأ، القاتل للإبداع والمقيد للعقل في أن يوسع من الإدراك والمحاورة.
ثالثاً: سياسات منفصلة عن الواقع: فمن خلال إصرار الرئيس مرسي في تصرفاته وسياساته على الانصياع لهذا المبدأ بطريقة لا إرادية لا يمكن أن ينتظر منه أو من جماعته أو ممن يعاونه من الإخوان، أن يأتوا بسياسات فريدة قادرة على الإتيان بحلول عبقرية لمشكلات المجتمع، لأن ما سوف يسرى على الرئيس، سوف يسري على الآخرين من المعاونين معه من الإخوان. فأقصى ما سوف يبذله مرسي، هو أن يطبق ما يراه ويؤمن به وما بني تفكيره عليه، وهو تطبيق مبدأ السمع والطاعة بما يخالف صورة الرئيس الموجودة في الوعي الجمعي، لدى المصريين الذين قد يفاجأون، في وسط مشاكلهم التى يغرقون فيها، كل يوم برئيس عائش في المثالية وفي الكلام المعسول ظناً منه أن ما يقوله، سوف ينفذه أفراد الشعب . وهو لا يدرى أن هذه سياسة قد تنفع مع رب أسرة وأولاده أو مع إمام مسجد ومصلين، أما من رئيس دولة لشعبه، فهي تؤشر على أن القادم سوف يكون أسوأ خصوصاً بعدما رأينا القرارات المتمثلة في الإعلانات الدستورية المحصنة، والإصرار على إنجاز الاستفتاء على مسودة الدستور، المختلف عليها منذ البداية، مما مهد في غضون هذه الأشهر القليلة التى ظهر فيها الرئيس مرسي في المشهد، للانتفاضة الثانية للثورة المصرية، ولكن في هذه المرة عن طريق الطبقة الوسطى اعتراضاً على هذا الجالس في قصر الاتحادية، الذين جاءوا به بالانتخابات؛ ليفاجأوا بقراراته وسياساته التى في باطنها تعمل على هدم أسس المجتمع المصري بمؤسساته، مثل ما ظهر في الإعلان الأخير. الذي أراد به بالاساس مؤسسة القضاء وبالاخص المحكمة الدستورية العليا، التى كانت في طريقها إلى إبطال عمل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور لعدم اتساقها مع القيم الأساسية لمنطق العدالة. فتم الالتفاف على قيم القضاء ومبادئه بقرارات فردية أطلق عليها دستورية. هذه القرارات التى لا تتناسب، مع رئيس جاء بالانتخاب تؤكد على السمة الثالثة التى تميز هذا الجالس بأن ما يصدره من قرارات أو يتبعه من سياسات سوف يكون فيه عدم إتساق مع الواقع. وبالتالي التوابع والنتائج قد تكون كارثية. خصوصاً أننا أمام دستور يعطيه سلطات مطلقة على حساب السلطات الثلاث التي تخلق عملية توازن في حالة عدم كفاءة رئيس الدولة، أما أن يضعفها ويفرغها من مضمونها ويضع معظم السلطات في يده، فهذا هو الانتحار بعينه، في شخص رئيس عقيدته السياسية مبنية على السمع والطاعة.